في عالم تتسارع فيه وتيرة الحياة وتتعدد فيه التحديات، يُعدّ الزواج أحد أبرز الوسائل التي تمنح الإنسان السكينة والطمأنينة، خاصةً لمن يعيش في بيئات غير مستقرة نفسيًا أو اجتماعيًا كالشتات والمهجر. وتزداد أهمية هذا الاستقرار النفسي عندما نتحدث عن الجالية الإرترية في المهجر، بما تحمله من هموم الغربة، وضغوط الاندماج، وصراعات الهوية الثقافية، والتحديات الاقتصادية والاجتماعية.

الزواج في جوهره علاقة تكاملية بين طرفين، يسعى كل منهما إلى بناء بيئة آمنة نفسيًا وعاطفيًا. وهو لا يقتصر فقط على الإشباع العاطفي أو الجسدي، بل يتعداه ليكون مصدرًا للدعم، والتوازن، والتقدير الذاتي. ومن خلاله يشعر الفرد بالانتماء الحقيقي، وبأن له من يقف إلى جانبه في مواجهة صعوبات الحياة، ويشاركه الأحلام والطموحات والمخاوف.

تحديات الغربة وتأثيرها النفسي

المغترب الإرتري يعيش في بيئة ثقافية واجتماعية مختلفة، وغالبًا ما يفتقر إلى الدعم العائلي التقليدي، ويشعر بالوحدة والعزلة. وهذه الحالة تؤثر على الصحة النفسية للفرد؛ فتنتج عنها مشاعر القلق، وعدم الأمان، واضطرابات الهوية، خاصة لدى الشباب الذين وُلدوا أو نشأوا في بيئة مغايرة لثقافة آبائهم. في هذا السياق، يصبح الزواج ركيزة أساسية للشعور بالثبات والاستقرار. إذ يوفر شريك الحياة مساحة آمنة للتعبير عن المشاعر، واتخاذ القرارات، وتجاوز الأزمات.

الاستقرار النفسي وأثره على الفرد والأسرة

عندما ينعم الزوجان بحالة من الاتزان النفسي، ينعكس ذلك بشكل مباشر على جودة حياتهما اليومية، وطريقة تربيتهما لأبنائهما، وقدرتهما على التفاعل مع المجتمع المحيط. أما في حالة انعدام الاستقرار، فإن التوتر والصراعات تمتد لتؤثر سلبًا على الأسرة بأكملها، بل وعلى اندماجهم في المجتمع الجديد.

الزوج والزوجة المستقران نفسيًا هما أكثر قدرة على:

  • _اتخاذ قرارات مشتركة بحكمة.
  • _التعامل مع ضغوط الحياة والغربة بطريقة متزنة.
  • _حماية أطفالهم من الانجراف الثقافي أو الانعزال الاجتماعي.
  • _الحفاظ على روابطهم الثقافية والدينية دون أن تتحول إلى صدامات داخلية.

تحديات الزواج في المهجر للجالية الإرترية

رغم إدراك الكثيرين لأهمية الزواج، إلا أن المهاجر الإرتري يواجه تحديات تعيق تحقيق هذا الهدف، من أبرزها:

  • _صعوبة إيجاد شريك حياة متوافق في القيم والثقافة.
  • _النزاعات بين التقاليد الموروثة ومتطلبات الحياة الحديثة.
  • _الضغوط الاقتصادية التي تؤجل أو تعرقل الزواج.
  • _قلة المبادرات المجتمعية التي تهيئ بيئة صحية للتعارف والزواج.

إن فتح النقاشات الهادئة حول مفهوم الزواج في المهجر، وإعادة تعريفه بما يلائم الواقع المعاش دون المساس بجوهره الثقافي والديني، خطوة ضرورية لضمان استمراريته وفاعليته كمصدر للاستقرار النفسي.

ختامًا

الاستقرار النفسي الذي يوفره الزواج ليس رفاهية، بل هو ضرورة وجودية خاصة في بيئة الغربة التي تفتقر إلى كثير من مصادر الطمأنينة والدعم. ولأبناء الجالية الإرترية في المهجر، يمثل الزواج المتوازن بوابة للثبات والنجاح، وبذرة تبني جيلًا سليمًا نفسيًا وهوياتيًا، قادرًا على التفاعل مع العالم من حوله دون أن يفقد جذوره.