يخلق الإنسان في الحياة أول مايخلق ضمن أسرة ويولد من أبوين ،ولايمكنه  أن ينفك عنهما فالأسرة جزء من تكوينه وتجري في دماءه وعروقه كذلك بدء الخليقة كان من زوجين أدم وحواء عليهما السلام  (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ، واحِدَةٍ، وخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا ونِسَاءً )) [النساء:1].

فالوحدانية والتفرد هي من صفات كمال الله تعالى الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يكن له صاحبة ولا ولد طُبع الإنسان على النفور من العزلة، وفُطر على السكن والمشاركة، إذ جُبل أن يكون في زوجين. وفي سعيه لهذا الارتباط، لا يكتمل فحسب، بل يحقق جزءًا من رسالته الوجودية وهي عبادة الله تعالى الأسرة هي بداية التكوين الإنساني وطريق العبودية لله وبداية الأستخلاف الحضاري وفي قصة خلق آدم وهبوطه هو زوجه الى الأرض تبدأ قصة الأسرة وارتباطها الجوهري من حكمة خلق الإنسان واستخلافه في الأرض ((وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا )) البقرة ٣٥

((فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ۖ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ)) البقرة ٣٦

فالخطاب موجه للزوجين ، فقد أذنبا معا وعوقبا معا واستغفرا معا وقد كان الله قادرا على أن يخلق حواء بعد نزول أدم للأرض ولكن حكمته اقتضت أن يترافقا في المشوار ويتحملا التكليف سويا إن مسألة خلق الإنسان  واستخلافه في الأرض هي قضية مركزية في الإسلام تختلف كليا عن خلق باقي المخلوقات التي تختلف في نوع عبادتها وخضوعها لخالقها   سبحانه وتعالى فالجمادات  تسبح بحمده (( إِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ )) الاسراء ٤٤

وتختلف عن عبادة الملائكة التي لاتفتر عن عبادته سبحانه ويفعلون مايؤمرون ((وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَمَنْ عِندَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20) الأنبياء ، والله غني عن عبادة خلقه وهو الغني الحميد ، وهي العبادة التي ميزه الله بها عن عبادة الجن أيضا هذه الوظيفة الأساسية  التي خلق الانسان من أجلها. إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً )) ٣٠ البقرة ، (( ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِن بَعْدِهِمْ لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (14) يونس

إن وظيفة الإنسان الأساسية هي الاستخلاف في الأرض والتي حمل معها أمانة التكليف التي أبت السموات والأرض والجبال  أن يحملنها ((إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) الأحزاب

هذه الأمانة لايستطيع الإنسان تحمل أعبائها والسير في معتركها إلا في جو أسري يتشارك أفرادها العبئ ، وتحمل المسؤوليات وتقاسم الأدوار وفي حين تسعى الحضارة الغربية في التحلل من المسؤوليات والسعي نحو الفردانية فإن تحمل المسئولية فكرة مركزية وجوهرية في الإسلام يقول ﷺ : كُلُّكُمْ راعٍ، وكُلُّكُمْ مسئولٌ عنْ رعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ ومسئولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، والرَّجُلُ رَاعٍ في أَهْلِهِ ومسئولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، والمَرْأَةُ راعِيةٌ في بَيْتِ زَوْجِهَا ومسئولة عَنْ رعِيَّتِهَا، والخَادِمُ رَاعٍ في مالِ سيِّدِهِ ومسئولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فكُلُّكُمْ راعٍ ومسئولٌ عنْ رعِيَّتِهِ متفقٌ عَلَيهِ.

وهنا تتجلى عظم مكانة  الأسرة وأهميتها في المنظور الإسلامي  ومدى ارتباطها الوثيق بقضية الوجود الكبرى والغاية العظمى من خلق الإنسان

_____

المرجع : الأسرة في النصور القرآني د. محمد النوباني